مقالات
عايدة عوض..الممرات المائية عنوان الحرب العالمية الثالثة
في مقال للكاتبة عايدة عوض شرحت خلاله دور الممرات المائية في الحرب العالمية الثالثة المشتعلة بين امريكا والغرب من جانب والصين وروسيا والهند من جانب أخر... اوضحت فيه أن الإقتصاد اصبح العامل الأساسي وراء أغلب الحروب..التي تدور في العالم ولما كانت التجارة هي شريان حياة الإقتصاد، التي لا يمكن أن تتم إلا عبر الشحن البحري بين الدول..ومعني ذلك أنه عندما تستهدف دولة تجارة دولة أخرى فهذا يعني إعلانها الحرب عليها بطريقة مبدأية وإعلان نيتها القيام بالحرب العسكرية قريباً.
وقد أعلنت أمريكا الحرب التجارية على العالم كله. لكنها إستثنت من ذلك روسيا وبيلاروسيا. لماذا؟ لأن روسيا في حرب عسكرية مع أمريكا منذ ٢٠٢٢ عندما بدأت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ، وبيلاروسيا تعتبر جزء من روسيا لإلتحامها الكامل في هذه الحرب.
عند التكهن بإنهيار الأمبراطورية الأمريكية ، كان الخبراء دائماً يقولون أنه سيكون بطئ جداً في أول الأمر ، ولكنه عندما يبدأ فعليا ، فسيكون سريعاً بشكل مذهل. وهانحن وصلنا لهذه الفترة السريعة من الإنهيار ، وهي الفترة الأخطر على العالم أجمع.
يمكن القول أن مجيء ترامب للرئاسة هي النقطة التي بدأ فيها الإنهيار السريع. فترة ولاية بايدن كانت فترة الإنحدار البطئ وكل القرارات التي إتخذت فيها تؤدي الآن للإنهيار الذي بدأ يتسارع. إدارة بايدن هي التي بدأت الحرب الأوكرانية. ولو أن الترتيب لها كان قد بدأ منذ ولاية أوباما. كما أن الترتيب للحرب مع الصين بدأ منذ ولاية أوباما وأكمله بايدن ، إلا أنه يبدو أن الحرب ستشتعل في ولاية ترامب.
قد يكون أسلوب ترامب في التعامل هو الذي أسرع في تدهور الأوضاع. فمنذ أواخر حملته الانتخابية ، وخصوصاً بعد فوزه ، لكن حتى قبل تنصيبه ، وهو يعطي بعض الإشارات للطريقة التي سيتبعها في تحقيق شعار حملته من “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”. فبدأت خطط الأطماع الإستعمارية تظهر بوضوح في تغييره رسمياً لإسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا ، ثم الكلام عن “إسترداد” قناة بنما ، ثم “ضم” كندا كالولاية ال٥١ لأمريكا ، ثم إقتناء جزيرة جرينلاند. وفي نفس الوقت “شراء”غزة والكلام المتناثر عن “الحفاظ” على قناة السويس لأنها شريان مائي حيوي.
ما يظهر من كل ذلك هو بداية خطة الإستحواذ على أهم الممرات التجارية المائية في العالم ، لكي تسيطر أمريكا على التجارة العالمية. وبذلك تتحكم في اقتصادات الكثير من الدول لكن بالأخص في تجارة الصين.
لم تكن الصين مغيبة عن ذلك بل أيقنته وأطلقت مشروعها العملاق تحت أسم “طريق الحرير الجديد” ثم غيرت الإسم إلى “الحزام/الطريق”. أساس هذا المشروع هو إحياء طريق عبر عدد كبير من الدول وعبر ممرات مائية كثيرة ، تساعد الصين في إيصال بضائعها للعالم دون عوائق. وكان أسلوب الصين مغاير تماماً عن الأسلوب الغربي ، إذ إستخدمت الشراكة والتعاون الإقتصادي مع الدول بتمويل البنية التحتية المطلوبة لبناء هذا الطريق ، بالمشاركة مع الدول التي سيمر عبرها. وبذلك تقوم الصين بنصيب الأسد في الإنفاق لتحسين البنية التحتية في هذه البلاد ، لأن ذلك يفيد البلاد نفسها وفي نهاية المطاف يحقق رغبة الصين في إيجاد طريق سهل وسريع على الأرض لنقل بضائعها من الصين إلى كل آسيا ومنها إلى الشرق الأوسط ثم إلى أوروبا وإلى أفريقيا. وهذه كلها أسواق واعدة وضخمة.
وكانت أول معارض لهذا المشروع هي أمريكا ، لأنها أيقنت أن بذلك تتمكن الصين من التغلغل داخل هذه البلاد ليس فقط عبر الطريق ، ولكن أيضاً عبر المشروعات المشتركة للتنمية التي ستمولها الصين كشراكة مع هذه الدول. وهذا يمثل إختلاف جذري للأسلوب الغربي في التعامل مع هذه الدول. إذ كان أسلوب الغرب هو استخدام القوة الجبرية والإستعمار الإقتصادي ، وإن لزم الأمر ، الإستعمار العسكري ، أو إسقاط الأنطمة الحالية بتأجيج القلاقل الداخلية ، ثم وضع “دمية” من صنع الغرب لإدارة هذه البلا بحيث تسهل نهب مواردها دون أي تنمية أو عائد للبلد أو شعبها.
وطبعاً عندما وجدت الدول هذا الفرق الكبير في أسلوب التعامل ، فضلت التعامل مع الصين كشريك حيث يعود النفع على الطرفين. ولذا بدأ مشروع الحزام/الطريق ينتشر بشكل كبير في الدول المختارة لإستقباله ، وهذا زاد من التقارب مع الصين وزود نفوذ الصين في العالم وساعد في إنتعاش تجارتها.
رد فعل أمريكا لم يكن في محاولة المنافسة لإستقطاب هذه الدول للإنحياز للغرب ، بل بدأت هجوم ممنهج على المشروع في البلاد المختلفة بتوجيه الجماعات الإرهابية التي تمولها وتساندها أمريكا في تدخلاتها في البلاد المستهدفة ، وبتدمير أي بنية قد قامت بها الصين ، وحتى بقتل المهندسين الصينيين العاملين به. وهكذا بدأت أمريكا حرب الظل على التجارة والإقتصاد الصيني على مستوى العالم.
وكان رد فعل الصين وروسيا هو أن أمريكا والغرب لن تنافس بشرف بل تفضل القيام بالعداء واستخدام القوة الجبرية وأسلوب الإرهاب والعنف للتغلب على منافسيها. وبما أن الغرب له نصيب الأسد في التجارة العالمية في ذلك الوقت ، ومن أهم أدواته الفعاله هو الدولار الأمريكي ، فأصبح الدولار وقوته هو الهدف الأول في المعركة التجارية القادمة. ومن هنا بدأت فكرة منظمة منافسة للمنظومة المالية الغربية المسيطرة على كل التعاملات الخارجية لكل دول العالم. ومحاولة الخروج من تحت عباءة الدولار كي لا يكون لأمريكا سيطرة مطلقة على إقتصاد هذه البلاد.
فولدت “بريكس”.
إنتقاء الدول المؤسسة لبريكس لم يكن عشوائي. فثلاثة منهم من الشرق وهم الصين وروسيا والهند. وهم أكبر دولتان تعداداً للسكان : الهند والصين ، وأكبر بلد مساحة للأرض وثراءً في الثروات الطبيعية:روسيا. ثم وقع الإختيار على دولة في إفريقيا ودولة في أمريكا الجنوبية وهما جنوب إفريقيا ، لانها دولة تحررت من الاستعباد الغربي وبدات تنتعش إقتصادياً وتمثل القارة بوضعها هذا ، والبرازيل في أمريكا اللاتينية لأنها أكبر دولة في هذه القارة وبها أكبر عدد من السكان وإقتصادها واعد.
وكان القرار هو أن هذه الدول سوف تتبادل التجارة بينها بالعملات المحلية كنواة للتخلص من قيود الدولار. ولكنهم مازالوا يستخدمون المنظومة المالية الغربية لأنها الوحيدة المستخدمة عالمياً. ولذا فكانت كل معاملاتهم مازالت مكشوفة لأمريكا والغرب.
في هذه الأثناء أصيب الغرب بالعجرفة من كل نجاحات خططه للإستحواذ والهيمنة على كل بلاد العالم وخصوصاً بعد تفتيت الإتحاد السوفيتي في ١٩٩١ وبعد أن بدأ حلف الناتو يستقطب كل البلاد التي كانت ضمن الإتحاد السوفيني لتنضم للغرب تحت لواء هذا الحلف. وإستكمال الإتحاد الأوروبي جعل من هذه القارة كتلة صلبة أمام الشرق وأعطى قوة أكبر لأمريكا ونفوذها.
لم تقف الكتلة الشرفية مكتوفة الأيدي أمام ذلك ، بل بدأت تحاول زعزعة النفوذ الأمريكي في العالم. وواحدة من أكثر بقاع العالم التي عانت من ذلك كانت الشرق الأوسط. لأنه غنى بأهم سلعة عالمية التي تعتبر شريان الحياة إلى التقدم والإزدهار: البترول.
مع بداية القرن ال٢١ بدأت أمريكا في تنفيذ خطة ترسيخ “النظام العالمي الجديد” حيث تسيطر “النخبة” الغربية على العالم عبر المال. ولكن لابد من إعادة ترتيب الدول في العالم بالطريقة التي يمكنها السيطرة عليها. ولذا خلقت فكرة الحرب على عدو واحد شرس وقاسي ومبهم يقوم بالتدمير ولذا فلابد أن يقوم الغرب وعلى رأسه امريكا بمحاربته في العالم أجمع. وهكذا خلق “الإرهاب” وتلاه “الحرب على الإرهاب”. وفي آخر السنة الأولى من القرن الجديد ، وقعت الحادثة “الإرهابية” الشنعاء على أمريكا نفسها والتي أسفرت عن قتل أكثر من ٣ آلاف مواطن أمريكي ، وصدمت العالم ببثها مباشر على كل تليفزيونات العالم – حادثة ٩/١١ (هدم أبراج مانهاتن بطائرات مدنية).
ولأن المنطقة المستهدفة كانت الشرق الأوسط ، فكان “الإرهاب” الذي ضرب أمريكا هو إرهاب “عربي إسلامي” لتبدأ حقبة من الحروب في الاقليم هدفها تدمير دول بعينها مثل افغانستان والعراق. وتبلورت الفكرة لتصبح “الربيع العربي” لإسقاط أنظمة واستبدالها بأخرى موالية لأمريكا والغرب ، وإفشال دول ونهب ثرواتها ، والأنتهاء من هذا الإقليم بتدمير إيران التي كانت قد بدأت تحارب النفوذ الأمريكي في الدول العربية بتدريب وتسليح أبناء الدول التي دمرتها وتحاول تدميرها أمريكا، مثل العراق وسوريا ولبنان. وكان السلاح الأمريكي لقلب الدول العربية على إيران هو الإيقاع الديني والطائفي بين السنة والشيعة. ولذا نجد أن كل “الجماعات الإرهابية” التي إستخدمت في تأجيج القلاقل ومحاولات قلب نظم الحكم في الدول العربية كانت من “السنة” وليست “الشيعة” لأن الأخيرة كانت تحارب النفوذ الأمريكي في الإقليم و’السنة” مثل جماعة الإخوان المسلمين كانت أداة أمريكا المستخدمة لقلب نظم الحكم. وظهرت “القاعدة” وأسامة بن لادن والزواهري لإرعاب الممالك والجمهوريات العربية في الشرق الأوسط. ولكن بعد فترة لم تكن القاعدة كافية فظهرت من كانت أشرس وأقسي وهي “داعش” والبغدادي ، وبدأت حقبة من الإرهاب والعنف وسالت الدماء في كل البلاد التي إستهدفتها أمريكا. ونالت مصرنا الحبيبة جزء منها في “ثورة” يناير ٢٠١١ وإعتلاء جماعة الإخوان للحكم في ٢٠١٢ ، ولكنها لم تستمر طويلا فأقصت عبر ثورة شعبية حقيقيه ساندها الجيش في ٢٠١٣. ولذا أصبحت مصر دولة عاصية على الترويض ولابد من محاربتها بشتى الطرق كي لا تزعزع النفوذ الأمريكي في الإقليم أكثر.
ومرت مصر في خمس سنوات من عمليات إرهاب إستهدفت المواطنين بفتن طائفية وبقتل عمد للمسيحيين ، وجراء ذلك قوي تلاحم المسلمين والمسيحيين ، فتحول القتل لرجال الشرطة والجيش والشرفاء في القضاء واستهداف الوطنيين. فالتحمت الجبهة الداخلية أكثر وأكثر. ثم في ٢٠١٨ كانت عملية سيناء حيث دخل الجيش بكل قوته لتطهير هذه البقعة العزيزة من الوطن من الإرهاب الذي تكشف أن جزء كبير منه كان من المرتزقة الغربيين وأن الأسلحة والمتفجرات أمريكية الصنع. وحارب الجيش المصري هؤلاء وحارب تهريب المخدرات لداخل مصر وحارب الإشاعات التي لم تنتهي. وعندما تم تنظيف سيناء وتطهيرها من هذا الوباء ، بدأت الحرب الإقتصادية.
غداً الجزء الثاني من المقال.