جابر عصفور بين العقل والنقل

جريدة البوابة المصرية
جريدة البوابة المصرية
تهنئة واجبة بالنجاح الباهر في الثانوية الأزهرية سميرة عبد العزيز في المهرجان القومي للمسرح الفن حياتي.. وكل مخرج أضاف لرصيدي «الصحة» تستقبل 60 مليون و494 ألف زيارة من السيدات لتلقي خدمات الفحص والتوعية وزير الثقافة يطلق الخطة القومية لإحياء صناعة السينما وتحويل الأصول المعطّلة لمنصات إنتاج وزير الشباب والرياضة ومحافظ الجيزة يفتتحان 5 ملاعب متنوعة بمراكز الشباب مهند الكلش يتقدم 10 مراكز في قائمة Forbes 2025 لأقوى القادة الإقليميين في التكنولوجيا محافــظ مطروح:يعتمد المرحلة الثانية لتنسيق القبول بمدارس تعليم الثانوى للعام الدراسي 2025/2026 معرض الكتاب ببورسعيد يناقش أثر الذكاء الاصطناعي على الإبداع والتحول الرقمي مدير مكافحة الإدمان وسكرتير محافظة مطروح يشهدان حفل تخريج 100 متعافي جديد رئيس الوزراء يتفقد محطة التجارب البحثية لتحلية مياه البحر بمدينة العلمين الجديدة سميرة عبد العزيز في ضيافة المهرجان القومي للمسرح اليوم.. وتوقع كتاب يوثق رحلتها المسرحية وفاء فخر المنصورة:تضع روشته لطلاب مصر للاشتراك في المسابقات العلمية العالمية

مقالات

جابر عصفور بين العقل والنقل

ايمن سعيد
ايمن سعيد

حين نتحدث عن شخصية من الشخصيات المؤثرة في التاريخ الثقافي المصري، من الأحياء، قد يبدو لبعض الناس أن هناك مصلحة أو مكسبا شخصيا لمن يفعل ذلك، أما أن نكتب عن هذه الشخصيات، وهم في دار الحق؛ فلا يمكن أن نرى ذلك إلا بعين الحقيقة، وهو الاعتراف بفضلهم ودورهم في حياتنا الثقافية، والوفاء الواجب أداءه لهم، كما لو أنهم أحياء بيننا يرزقون.

ومن هذه الشخصيات التي أبدعت، وتحملت الكثير، في سبيل تنفيذ فكر تنويري ضروري، الدكتور جابر عصفور، الأستاذ الجامعي والمفكر الموسوعي والمثقف المبدع والناقد الكبير والمؤلف المهموم بمشكلات وطنه الأم، بل بهموم الوطن العربي بأسره، في ضوء ما قدم من مؤلفات ومقالات وأبحاث وترجمات لتطوير الدراسات الأدبية والنقدية، مجاله عمله البحثي، أو في ضوء ما قدم لمناقشة ما كان يشغله من أحداث وأفكار تتعلق بحياة الفرد والمجتمع، من أجل طرح هذه الأمور للمناقشة، بصرف النظر عن القبول أو الرفض، الموافقة أو الاعتراض، في بيئة تتسم بالنقاش المثمر البناء، دون إعطاء نفسه حق فرض الرأي أو رفض حق الآخر في الاختلاف.

فقد كان يرى هذه الأمور كلها، من باب الاجتهاد، وإعمال العقل، للوصول إلى رأي يبنى عليه، ويتوافق مع ما توصل إليه العلم، أو ما يتوافق مع العقل البشري الذي هو نعمة وفضل من الله على الإنسان، ولا ينبغي عليه أن يعطله، أو يوقفه عند حد معين، وما دام الأمر اجتهادا، فلم لا يستخدم الإنسان هذا الحق لأقصى درجة ممكنة؛ ولذلك فكثيرا ما بنى فكره ورأيه على قول الإمام الشافعي: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".

وكذلك قول الإمام مالك: "كل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا النبي- صلى الله عليه وسلم"، وكذلك اهتمامه بهذا النص النبوي الذي بنى عليه في كثير من الأحيان اجتهاده، وعرضه لوجهة نظره مستندا إلى قوله- صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ، فله أجر".

وفي ضوء هذه الأقوال السابقة، كان يدخل إلى أي قضية أو مشكلة، ويدلي فيها برأيه، مجتهدا، بل إنه كان يرى لزاما عليه أن يدلي بدلوه، دون تهيب أو خوف أو محاباة؛ لأن الأمر عنده لا يعدو أن يكون إلا اجتهادا، وإن لم يجتهد أصحاب العقل والبصيرة، فمن من حقه ممارسة حق الاجتهاد؟! فضلا عن أداته المهمة في ذلك، وهي تخصصه في اللغة العربية.

ودرايته بفنونها المختلفة، واطلاعه على أسرارها ومكنوناتها، في كتب القدماء، ومن سار على نهجهم؛ ولذلك لا نتعجب حين يؤلف كتابا بعنوان: "دفاعا عن العقلانية"، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2020م، وهو خلاصة لخبرات متراكمة تأملية، على مدار عشرات السنين، يربط فيها بين أمور عدة، ويقرن بعضها إلى بعض؛ التنوير والحداثة والعقلانية والعلم؛ إذ يقول: "إن العقلانية تعني الاحتكام إلى العقل.

والاحتكام إلى العقل يعني المساواة بين العقول وقبول اختلافها بوصفه أمرًا طبيعيًّا، ومن المؤكد أولا أن العقل بقدر ما هم دليل على حرية إراداتنا وعلى قدرتنا على الاختيارالخلاق في فعل الوجود الفردي والإنساني فإنه دليل على حتمية حضور العدل في هذا الوجود، ومن المؤكد ثانيا أن العقل بقدر ما هم دليل على إنسانيتنا، فإنه قرين العدل في الكون، ولذلك فإن العقلانية صفة من صفات الدولة المدنية الحديثة".

وهو ما جعل البعض يرى مناقشته لبعض القضايا على أنها محاولة لإحداث صدام مع بعض الجهات أو المؤسسات الدينية، بوصف أن الأمور الدينية لا يتدخل فيها العقل على الإطلاق، وهو كلام مردود على بعض من يقولون به، بهدف الدعوة إلى تعطيل العقل، وكان يستشهد على ذلك بقول النبي –صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بشؤون دنياكم".

ولذلك فصراعه لم يكن أبدا مع المؤسسات الدينية الرسمية، وإنما كان صراعه مع التيارات المتشددة التي استخدمت الدين من اجل تحقيق مآرب شخصية دنيوية، والتي حاولت الحفاظ على مكانة معينة تحت عباءة الدين، والدين منزه عن كل هذه الأغراض الدنيئة.

والدليل أيضا على ذلك التوجه في تفكيره، أنه حين كان يسأل عن أسباب انتقاده للأزهر الشريف؛ المؤسسة الدينية الرسمية، كان يؤكد على احترامه وتقديره للأزهر الشريف ولشيخه الطيب، ويقول: " لا أنتقد الأزهر، لكني أتمنى أن أجد ازهريينمثل الشيخ محمد عبده، والدكتور محمود زقزوق، والشيح عبد المتعال الصعيدي، والشيخ شلتوت، وغيرهم من المستنيرين، فأبرزيجمع هؤلاء الرموز أنهم يلجأون إلى إعمال العقل".

وكل أقواله واجتهاداته، هو نفسه، وبميزانه الذي رسخه في أذهان قرائه وطلابه وزملائه، وفي ضوء منهجه المتعارف عليه، بين القبول والرفض، بين حق التعبير وحق الاعتراض، دون سيطرة أو فرض رأي بالقوة، تحت أي مسمى من المسميات الدنيوية لا الدينية الوسطية المعتدلة.

وأخيرا وليس آخرا؛ فهذه هي بعض رؤى الدكتور جابر عصفور للعقلانية، والتنوير القائم بين النقل وإعمال العقل، والجرأة في إعماله لا تعطيله بدعوى الحفاظ على العادات والتقاليد وتراث الأسلاف وتقديس الجمود الفكري، حتى إنه كثيرا ما كان يقول: لماذا لا نجتهد ما دام أننا في الحالتين مثابون؟!



Italian Trulli